ادعمنا

الصوابية السياسية - Political Correctness

تم استخدام مصطلح الصوابية السياسية في العديد من المواقف بشكل ساخر للسخرية من فكرة أن تغيير استخدام اللغة يمكن أن يغير تصورات ومعتقدات الجمهور، إلا أنَّه في العقود الأخيرة ظهرت حركة تابعة للصوابية السياسية تدعو إلى استخدام كلمات اكثر ”لطفا“ لوصف الأقليات والمهمشين لليكون وقعها اقل وطأة عليهم.ظهرت هذة الحركات ايمانا بما يعتقده معظم اللغويين إن الواقع واللغة مرتبطان ارتباطًا وثيقًا، أي ان الطريقة التي نتصور بها العالم تنعكس لا محالة على لغتنا. واللغة تشكل أفكارنا وتتحددها. فمن الصعب تخيل أي لغة منفصلة عن الواقع، بما في ذلك الواقع السياسي والاقتصادي والثقافي وغيرها من الاعتبارات الاجتماعية. وبالتالي؛ أصبحت ضرورة إدراج اللغة في الإصلاحات الاجتماعية أو السياسية أمرًا حتميًا. وبمرور الوقت تم استبدال كثيرمن  كلمات بكلمات جديدة، وعلى سبيل المثال استبدال مصطلح ”المعاقين“ أعيدت تسميته بــــ ”ذوي الاحتياجات الخاصة“.  إلا أن مفهوم الصوابية السياسية اليوم تعرض كغيره من المفاهيم للتطوير والتغيير وبات يشير إلى معانٍ أوسع، فما هو مفهوم الصوابية السياسية؟ وما هي جذوره؟

لعلَّ الصوابية السياسية تمثل تطور المعايير العامة مع ميل جدير بالثناء لحماية وتعزيز مصالح الجماعات المضطهدة تاريخياً. فالصوابية السياسية تؤكد بشكل عام على تجنب أي نوع من الإساءة فيما يتعلق بالجنس العرقي والتوجه الجنسي. ولكن يبدو أن وجود كلمة "سياسي"في هذا المصطلح يشير إلى أن هناك مواقف سياسية معينة تعتبر الأفضل أو الأصح من الآخرين. ومع ذلك، يعتبر البعض أن الصوابية السياسية تُركز على اللغة بدلاً من السياسة. والصوابية السياسية العملية الاجتماعية، لا تتعلق بالخيارات الخاصة ولا يشير المفهوم إلى الأخلاق الشخصية، بل إلى نظام تشكيل الخطاب العام.

 

تعريف الصوابية السياسية

الصوابية السياسية، أو الصواب السياسي، أو الصائب سياسياً، وباللغة الانجليزية Political correctness وبالفرنسية Politiquement correct وتعني اللياقة السياسية أو الكياسة السياسية. وهو مصطلح يستخدم في اللغة لوصف السياسات أو الإجراءات التي تتجنب أوتحمل أقل مقدار من الاساءة لا سيما عند وصف مجموعات في المجتمع باعتبارات محددة متعلقة بالعرق أو الجنس أو الثقافة أو التوجه الجنسي.

وقد عرَّفَ قاموس أوكسفورد مصطلح الصوابية السياسية بأنها: "تجنب أشكال التعبير أو العمل التي يُنظر إليها على أنها تستبعد أو تهميش أو تهين مجموعات من الأشخاص المحرومين اجتماعياً أو الذين يتعرضون للتمييز".

عرّف جلين لوري -Glenn C. Loury فيبحثه المنشور بعنوان الإقصاء الاجتماعي والمجموعات العرقية: التحدي للاقتصاد - Social Exclusion and Ethnic Groups: The challenge to economics الصوابية السياسية بأنها "اتفاقية اجتماعية ضمنية لضبط النفس على التعبير علنا داخل مجتمع معين“.

وفقا لانطوني براون - Anthony Browne في كتابه تراجع المنطق -The Retreat of Reason أن الصوابية السياسية أكثر من مجرد مزحة أو تحديث لاستخدام اللغة. إنه نظام من المعتقدات ونمط الأفكار يتخلل العديد من جوانب الحياة الحديثة، ويسيطر على النقاش العام، ويقرر ما يمكن مناقشته وما هي شروط النقاش، وأي سياسات حكومية مقبولة وأيها غير مقبول. وقد زاد نفوذها على مدى العقود القليلة الماضية لدرجة أنها أصبحت الآن واحدة من السمات الأكثر هيمنة على الخطاب العام و خاصة في دول الغرب.

ومن المهم معرفة مزايا ومساوئ الصواب السياسي؛ لذلك سيقدم هذا المقال بإيجاز تاريخ المصطلح ويناقش بعض الآراء المتعلقة به.

 

تاريخ الصوابية السياسية

أن الكثير من المراجع ترجع الصوابية السياسية إلى المفردات الماركسية اللينينية بعد الثورة الروسية عام 1917. في ذلك الوقت، تم استخدامه لوصف الالتزام بمبادئ الحزب الشيوعي للاتحاد السوفيتي. وكذلك تم استخدام الصوابية السياسية إما بالموافقة على الإشارة إلى شخص يلتزم بخط الحزب بشكل صحيح، أو بشكل أكثر سخافة ورفضًا لشخص كان التزامه بخط الحزب الشيوعي مفرطًا.
اخترع الشيوعيون "الصوابية السياسية" لتمويه الحقيقة حول سياسات الاتحاد السوفييتي التي أسفرت عن جرائم قتل جماعية ومعسكرات السخرة. فكان من "غير الصحيح سياسياً" الكشف عن مثل هذه الحقائق.

وقد ظهر المصطلح في الغرب في السبعينيات كنوع من المحاكاة الساخرة التي يستخدمها النشطاء في مختلف الحركات الاجتماعية الجديدة. تم استعارتها من الترجمة الإنجليزية للنصوص الشيوعية الصينية ، ولا سيما نصوص الثورة الثقافية.

بدأ السياسيون الليبراليون في الثمانينيات يستخدمون المصطلح للإشارة إلى التطرف في بعض القضايا اليسارية. واستخدمه المحافظون في التسعينات لمعارضة ما اعتبروه صعود المناهج اليسارية الليبرالية. شهدت أوائل التسعينات ارتفاع المناهج الدراسية وأساليب التدريس المسيَّسة في الجامعات الامريكية، عادةً القضايا التي ينادي بها اليسار السياسي - خاصة فيما يتعلق بالعرق والطبقة والجنس.

وفي أواخر التسعينات، انخفض استخدام المصطلح مرة أخرى، وكان يستخدمه في الغالب الكوميديون والآخرون لتهكم على اللغة السياسية.

واجه مفهوم الصوابية السياسية كغيره من المصطلحات والمفاهيم الحدثية نسبياً عدداً من الإنتقادات والتأييد كان لها أثراً بلا شك في بلورة وفهم المفهوم يمكن تلخيصها على الشكل التالي:

 

اتجاه المدافع عن الصوابية السياسية

يجادل المدافعون عن عملية الصواب السياسي بأن تصوراتنا عن الآخرين تتشكل وتتأثر بشكل كبير باللغة التي نسمعها وتستخدم عنهم. لذلك؛ عند استخدام اللغة بلا مبالاة، يمكن أن تكشف عن تحيزاتنا وتعززها ضد مجموعات الهوية المختلفة. وبهذه الطريقة، يساعد الاستخدام الصارم للغة الصحيحة سياسياً على منع تهميش هذه الفئات واستبعادها اجتماعياً.

وفي هذا الصدد يرى ستانلي فيش Stanley Fish - أحد الشخصيات الرئيسية في حركة الصوابية السياسية -أن الصوابية السياسية هي أداة رئيسية في إنشاء الجيد والصحيح، والتمييز جزء لا يتجزأ من لغتنا، تعكس الطريقة التي نتحدث بها الطريقة التي نفكر بها والتي تؤثر بدورها على هياكل السلطة في المجتمع. أي تتوسط اللغة علاقتنا بالواقع، واللغة والخطاب أساسيان في توزيع القوة. وفقا لفيش -Fish اللغة غير عادلة بطبيعتها للأقليات والنساء والمثلييين لهذا نحتاج إلى الصوابية السياسية. وبالتالي فإن الصوابية السياسي تضمن سلامة الأقليات.

كان لــــــدوريي - Drury رأياً موافقاً بعض الشيئ لفيش - Fish من خلال اعتبار أن الصوابية السياسية هي رؤية تشمل النسوية وتحرير المثليين والتعددية الثقافية.

ويرى المدافعين عن الصوابية السياسية أن الأفكار تستقطب بسرعة كبيرة، وإذا تم التغاضي عن اللغة المسيئة في وسائل الإعلام وفي المجتمع،فإن ذلك قد يؤل إلى وضع خطير ويصيرها إلى عنف.

وفي تفسير أهمية الصواب السياسي ودوره في استقرار المجتمع فقد عبر مينغشوي تساى -  Cai Mingshui عن اعتقاده بأنَّ الهجوم على الصواب السياسي هو في الواقع هجوم على التعددية الثقافية وهي أساس المجتمع الغربي.

 

اتجاه المعارض للصوابية السياسية

يرى معارضوا الصوابية السياسية أن إعادة تعريف الكلمات ما هي إلا طريقة لإسكات المنافسين، وأنَّ المعضلة الأساسية في الصوابية السياسية هي أنها على الرغم من كونها وجهاً من أوجه حماية حقوق الإنسان، إلا أنَّها تشكل تهديداً لحرية التعبير. ولعلَّ السبب الرئيسي في مشكلة الصواب السياسي وفق وجهة نظر المعارضين هي بتعرض الديمقراطية الليبرالية وحرية التعبير للهجوم.

فالصوابية السياسية وفق نظر المعارضين لها تقوم على عدم التسامح مع المعارضة، بل والإملاء على الناس بما هو ”صحيح“ وما هو ”غير صحيح“.وبالتالي يجب أن يتم تجاهل أو إسكات أو إهانة من لا يلتزم بها. وبذلك يتولَّد نوع من الشمولية الناعمة حول الصوابية السياسية؛وهذا هو الجانب الأكثر إثارة للقلق في الصوابية السياسية.

كما يرى المعارضون أن مشكلة الصوابية السياسية تكمن في التركيز على الالفاظ والكلمات وتجاهل النوايا وراء هذة الكلمات؛ فالأشخاص الذين يستخدمون المفردات القديمة يُلامون بالتمييز ضد الاقليات، بغض النظر عن نيتهم ​​الحقيقية. وعلى الصعيد الآخر يمكن استبدال الكلمات بأخرى ولكن في باطنها تظل محملة بمشاعر سلبية تجاه الجماعة المشار اليها.

فيقول ستيفين بينكر - Steven Pinkerأن المفاهيم، وليس الكلمات، أساسية في أذهان الناس. أعط مفهوماً اسماً جديداً، وسيصبح الاسم ملوناً بالمفهوم؛ فالاسم لايتجدد المفهوم، على الأقل ليس لفترة طويلة. فالأسماء الجديدة للأقليات ستستمر في التغيُّر طالما أن الناس لديهم نفس المواقف سلبية تجاههم.

 

الاتجاه الثالث

وأخيراً يرى فريق ثالث أن لكل مفهوم جديد سلبياته وأن الصوابية السياسية ستتطور مع الوقت وتأخذ شكلا اكثر توافقية. وسوف ترسم المجتمعات المتحضرة خط فاصل ومناسب بين حق الفرد في التعبير عن أفكاره وحماية حقوق الآخرين.

 

المصادر والمراجع:

Al-Rawi, Mustafa. (2017). Theoretical analysis of Political Correctness Views. iJARS International Journal of Humanities and Social Studies. 3. 10.20908/ijarsijhss.v3i2.7578

Benassi, Giuliano. "Political Correctness and Ideology: A Cross-cultural Linguistic Study."

Brown, Anthony. Retreat of Reason: Political Correctness & the Corruption of Public Debate in Modern Britain.

Fairclough, Norman. (2003). Political Correctness: The Politics of Culture and Language. Discourse & Society - DISCOURSE SOCIETY. 14. 17-28. 10.1177/0957926503014001927

Geser, Hans. "Political Correctness: Mental Disorder, Child-ish Fad or Advance of Human Civilization?" Universität Zürich, 2008.

Loury, Glenn. (2000). Social Exclusion and Ethnic Groups: The Challenge to Economics

Moller, Dan. "Dilemmas of Political Correctness." Governing Least, 2019, 241-53. doi:10.1093/oso/9780190863241.003.0015.

Plančić, Bisera. "Political Correctness – Maintaining a Balanced View,." doi:doi: 10.7225/toms.v02.n01.008.

Tschapka, Lothar. "“Political Correctness” – A Threat to Free Speech? Overcoming the Dilemma." 2018 UBT International Conference, 2018. doi:10.33107/ubt-ic.2018.385..

Pogrmilović, Bojana Klepač. "“Europe Will Soon Be Lost to Political Correctness”." Politička Misao 56, no. 3-4 (2020): 106-36. doi:10.20901/pm.56.3-4.05.

 

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia